السعدي في حوار: ثلاثة خيارات لعودة النازحين في اليمن

السعدي في حوار: ثلاثة خيارات لعودة النازحين في اليمن
نجيب السعدي في حوار مع عدن الغد

أطلقت الوحدة التنفيذية للنازحين دراسة عن العائدين واحتياجاتهم وعن مناطق العودة. وتعتبر الدراسة الأولى من نوعها، ونظراً لذلك قمنا بقراءة الدراسة بشكل جيد. كما أننا بعد ذلك حاولنا البحث عن بعض المصطلحات الواردة في الدراسة والتي شدت انتباهنا مثل “الحلول الدائمة للعائدين”، و”خطة الأمين العام للأمم المتحدة لحلول النزوح” و”التحول نحو الحلول الدائمة”.

وبعد أن تابعنا ما تناولته مختلف وسائل الإعلام عن الدراسة والتفاصيل والأرقام الواردة فيها، ارتأينا أن نتناول هذه الدراسة وموضوع التحول للحلول الدائمة من زاوية أخرى تسلط الضوء على هذه المصطلحات والأسس والمعايير الحاكمة لهذا التحول والحلول الدائمة، إضافة إلى كيفية الاستفادة منه في معالجة النزوح. هذا ما تطرقنا إليه في اللقاء الصحفي مع الأستاذ/ نجيب السعدي رئيس الوحدة التنفيذية، الذي رحب بنا وأبدى تعاوناً وسعة صدر لكل ما طرحناه عليه.

إلى الحوار:

لقاء: عبدالسلام هائل – تصوير: زكي اليوسفي

س: في البداية نود أن تحدثنا عن الدراسة. لماذا هذه الدراسة؟ ما هي المنطلقات القانونية والإنسانية التي اعتمدت عليها الوحدة عند عمل الدراسة؟ وكيف تمت ومن الذي قام بها

أولاً أهلاً وسهلاً بكم، وأشكركم على تسليط الضوء على موضوع الدراسة المسحية التي قامت بها الوحدة.

فالدراسة الهدف منها هو إيجاد خط أساس للبيانات اللازمة للتخطيط للحلول الدائمة. فهي توفر كمّاً هائلاً من البيانات والمؤشرات اللازمة للتخطيط للحلول الدائمة.

وقد قامت بها الوحدة التنفيذية عبر فريقها الميداني المنتشر في جميع المناطق. وقد اشتركت معنا بعض الجهات في بعض المحافظات مثل اللجان المجتمعية في العاصمة المؤقتة عدن، وكذلك المكاتب التنفيذية في المحافظات. وقد زودتنا بكثير من البيانات الخاصة بمستوى الخدمات وساهمت في التحقق منها. وتستند الدراسة إلى الولاية القانونية للوحدة التنفيذية حسب قرار إنشائها وحسب السياسة الوطنية التي جعلت من مهام الوحدة جمع بيانات النازحين وكذا البيانات اللازمة لتنفيذ السياسة الوطنية.

كما أننا استندنا إلى توجيهات وتوجهات الحكومة برئاسة دولة رئيس الوزراء الدكتور أحمد عوض بن مبارك، التي تعمل على استعادة مؤسسات الدولة لدورها. كما أن الدراسة تنسجم مع خطة عمل الأمين العام للأمم المتحدة بشأن النزوح الداخلي.

س: تحدثت الدراسة عن حلول دائمة. هل لكم أن تحدثونا عن الحلول الدائمة، ماذا تعني؟

الحلول الدائمة تعني وضع معالجات وحلول للنزوح بشكل دائم بحيث لا يبقى للنازح أي حق نشأ بسبب النزوح. وهذا يقتضي التحول من العمل الإنساني الطارئ إلى المشاريع المستدامة والتنموية والحلول الدائمة.

وهناك ثلاثة خيارات للحلول الدائمة، وهي: العودة الطوعية للمناطق الآمنة أو الدمج في مناطق النزوح أو إعادة توطين النازحين في منطقة ثالثة.

س: هل هذه الخيارات مطلقة وغير مقيدة بشروط؟ ومن الذي يحدد الأخذ بأحد الخيارات دون غيرها من الخيارات؟

هذه كخيارات نظرية، وتنفيذها محكوم بعدة أشياء: أولاً، يتطلب أن تكون طوعية وباختيار النازحين أنفسهم.
الخيار الثاني والثالث لابد أن يكون بموافقة المجتمعات المضيفة والسلطات المحلية، فلا يصح أن يتم دمج نازحين أو إعادة توطينهم في ظل رفض المجتمعات المحلية، لأن ذلك سيخلق مشكلة مجتمعية جديدة.

واستكمالاً لتوضيح الحلول الدائمة، فهي تعني أن تكون الدولة ومؤسساتها هي القائد والمخطط والمالك للحلول، ويجب أن تبدأ الحلول الدائمة من إعادة تأهيل مؤسسات الدولة، ويكون ذلك إما من الموارد المتاحة أو عن طريق دعم المجتمع الدولي.

س: ذكرتم أن الخطة تنسجم مع خطة الأمين العام للأمم المتحدة لمعالجة النزوح. نريد أن تسلط الضوء على هذه الخطة؟

  • هذه الخطة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة في منتصف عام 2022، وقد أُعدت بناءً على تقرير الفريق رفيع المستوى المعني بحلول النزوح، وهو تابع للأمين العام للأمم المتحدة. وقد تضمن التقرير تشخيصاً دقيقاً لأزمة النزوح وأسباب عدم معالجتها، كما تضمن جملة من التوصيات اللازمة لمعالجة النزوح.

تقود خطة الأمين العام تحولاً جذرياً في آليات الأمم المتحدة وتعمل على خلق آليات فعالة تؤدي إلى حلول ومعالجات للنزوح، ولا تركز فقط في التعامل مع النزوح كواقع دون عمل حلول له كما كان سابقاً، وتركز على معالجة النزوح وفق نهج ترابطي في مراحله الثلاث، فما أن يقع النزوح حتى يتم البدء بالتخطيط للحلول الدائمة. كما أن الخطة تركز على تحفيز الحكومات الوطنية للقيام بدورها في معالجة النزوح من خلال دعمها وبناء قدراتها لتصبح قادرة على معالجة النزوح.

وقد حددت وبشكل واضح مسؤوليات وواجبات الأمم المتحدة والوكالات التابعة، كما وضحت أن الحلول الدائمة يجب أن تكون بقيادة الحكومات الوطنية. أضف إلى ذلك، دعت الخطة الوكالات الأممية إلى بناء قدراتها وتطوير آلياتها بما يتواءم مع التحول نحو الحلول الدائمة.

س: ذكرتم في إجاباتكم أن هناك تحولاً دولياً نحو الحلول الدائمة ودمج العمل الإنساني بالتنموي. هل الجانب اليمني، أقصد الحكومي، لديه هذه الرغبة في التحول؟

نعم، يوجد لدى اليمن توجه صادق نحو التحول من العمل الطارئ إلى الحلول الدائمة والتنموية، وهذا واضح جداً في خطابات دولة رئيس الوزراء، وما يؤكده كافة المسؤولين في لقاءاتهم واجتماعاتهم. كما أن هذا التوجه تم إيضاحه من خلال المراسلات والمخاطبات بين اليمن والأمم المتحدة، ومنها على سبيل المثال بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ألقاه مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور عبدالله السعدي في مارس 2024.

س: هل هناك متطلبات أو شروط للتحول نحو الحلول الدائمة؟

نعم، هناك متطلبات أو شروط لتطبيق الحلول الدائمة، وضعها مساعد الأمين العام للأمم المتحدة السيد/ روبرت بيبر، وهي وجود توجه حقيقي للحكومات الوطنية لمعالجة النزوح وأن تمتلك استراتيجية وطنية مقرّة من الحكومة وأن يكون لها جهة مؤسسية معنية بمعالجة النزوح. واليمن لديها توجه صادق كما أوضحنا، ولديها سياسة وطنية لمعالجة النزوح الداخلي في اليمن، ولديها جهة مؤسسية معنية بالحلول الدائمة وهي الوحدة التنفيذية للنازحين.

س: جيد، وهل تمتلك الحكومة رؤية واضحة لهذا التحول وكيفية الاستفادة منه؟

نحن الآن ومع مكتب دولة رئيس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء نعمل على بلورة رؤية واضحة لهذا التحول، طبعاً بمشاركة كافة الجهات المعنية.

س: لكن هناك إشكالية مالية، وهي كيف يمكن البدء بتنفيذ حلول دائمة في ظل تراجع الدعم والمساعدات الدولية لليمن؟

التمويل يعد تحدياً كبيراً جداً يواجه العمل الإنساني والحلول الدائمة. ولكن هناك أمر مهم يجب أن يعرفه الجميع، وهو أن المانحين، وبعد أن وصلوا إلى قناعة بأن الأموال التي يقدموها لمعالجة النزوح لم تحدث أثراً، ولم تخلق حلولاً ومعالجات لأزمة النزوح، فهذا ما جعل من الضروري التحول من العمل الطارئ إلى الحلول طويلة الأمد وفق نهج ترابطي يعالج النزوح في مراحله الثلاث بوقت واحد. لذلك، ففكرة الحلول الدائمة هي فكرة جذابة ومقنعة للممولين لتقديم مزيد من المساعدات لمشاريع مستدامة وتنموية تتفق مع أهداف التنمية المستدامة.

س: أنتم في الوحدة بصفتكم الجهة المعنية بمعالجة النزوح، هل لديكم رؤية واضحة لمعالجة النزوح؟ وهل لكم أن تحدثونا عن هذه الرؤية وعن خططكم؟

لقد انتشر النزوح بشكل كبير جداً، فلا توجد منطقة لم تتأثر بالنزوح. فهناك قرابة ثلاثة ملايين نازح، إضافة إلى مليونين وثلاثمائة ألف عائد.

ورؤيتنا لمعالجة النزوح يجب أن تكون شاملة ومواكبة لحجم هذا الانتشار. رؤيتنا، وبشكل مختصر، أن معالجة النزوح مسؤولية الحكومة بكاملها والسلطات المحلية، وتكون المعالجات وفق نهج تشاركي بين مختلف الجهات الحكومية والنازحين والمجتمع المضيف والقطاع الخاص. ويتم من خلال جميع الجهات الحكومية أن تقوم كل جهة بدورها. ولابد أن يكون هناك عمل وفق خطط استراتيجية قطاعية ومحلية قائمة على التنمية ومن ثم تجميعها في خطة عامة محددة التكاليف ومزمنة. تقوم هذه الخطط على بيانات واقعية. ولابد أن تشمل هذه الخطة الاحتياجات الفنية والبشرية والمالية للجهات لتصبح قادرة على القيام بدورها، وكذلك الاحتياجات لمعالجة النزوح. كما أن دعم وإسناد المنظمات الدولية والمانحين لجهود الحكومة يعد أمراً أساسياً لمعالجة النزوح.

س: هذه رؤية واسعة… السؤال، هل تمتلك الوحدة التنفيذية للنازحين الإمكانيات البشرية والفنية والمالية اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية؟

(خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة) ونحن في الوحدة نمتلك فريقاً يمتلك تأهيلاً جيداً ومنتشر في كل المناطق، كما نمتلك بعض الإمكانيات الفنية، ولا زلنا بحاجة إلى بناء قدرات مؤسسية وبشرية وفنية، كما أننا بحاجة إلى إمكانيات مالية تناسب الدور الموكول إلينا وطبيعة المهام التي نقوم بها. كما أننا نمتلك الإرادة والتصميم على تحقيق أهدافنا والتغلب على كل الصعوبات.

س: ذكرت أن رؤيتكم قائمة على النهج التشاركي مع الجهات الحكومية ومع المنظمات الدولية، فما هو هذا النهج؟ وكيف يمكن تنفيذه في ظل الوضع القائم الذي لا يخفى على أحد من انعدام الموارد والضعف الإداري للمؤسسات؟

النهج التشاركي يعني أن تشترك جميع الجهات الحكومية في معالجة النزوح، وكذلك تشارك المنظمات الدولية وفق أدوار ومسؤوليات محددة وواضحة، ويكون هناك آلية تنسيق فعالة لضمان السهولة في تنفيذ المهام والقدرة على الوصول للنازحين وقدرتهم على الوصول إلى الخدمات. نحن الآن نعكف على تشكيل فريق فني من مختلف الجهات المعنية، يقوم هذا الفريق بتحديد الأدوار والمسؤوليات لمختلف الجهات بحسب ما هو في السياسة الوطنية لمعالجة النزوح ومن ثم وضع آلية تنسيق فعالة. نتطلع أن ننتهي من هذه المرحلة خلال هذا العام لتقديمها للحكومة لإقرارها.

س: تنفيذ هذه الرؤية يحتاج إلى دعم وإسناد من قبل قيادة الحكومة، فهل هذا الدعم والإسناد يتوفر لكم من قبل الحكومة؟

الوحدة التنفيذية للنازحين تتبع دولة رئيس الوزراء وتعمل وفق توجيهاته وتحت إشرافه وتتلقى الدعم والإسناد من قبل دولة رئيس الوزراء والحكومة.

س: عودة إلى الحلول الدائمة وخياراتها. هناك حملة إعلامية ضد النازحين واتهامات لجهات بأنها تعمل على توطين النازحين في المحافظات الجنوبية. في ظل هذا الشحن الإعلامي، هل ترى أنه من المناسب الحديث اليوم عن حلول دائمة؟ وهل هي قابلة للتطبيق خصوصاً في المحافظات الجنوبية؟

نعم، يوجد شحن إعلامي وتحريض علني على النازحين، وهذا الشحن والتحريض يقوم على معلومات مضللة وغير صحيحة. فنحن لا يوجد لدينا أي توجه أو نية أو الحق لفرض خيار التوطين على النازحين أو على المجتمعات المحلية في المحافظات الجنوبية أو غيرها من المحافظات. نحن ندرك جيداً التعقيدات السياسية في المحافظات الجنوبية وحساسية الوضع فيها، ولا يمكن القفز عليها، لأن القفز أو محاولة الالتفاف عليها سيخلق مشكلة جديدة. كما أن السلطات المحلية مشاركة في التخطيط للحلول الدائمة. ونحن عندما نتحدث عن الحلول الدائمة فإننا نعني توفير الخدمات في جميع المحافظات، ومنها الجنوبية، ونتحدث عن توفير حلول للعائدين. والمحافظات الجنوبية فيها قرابة مليون وسبعمائة ألف عائد، ما يشكل نسبة 70% من العائدين. عدن وحدها فيها قرابة تسعمائة ألف عائد، وجميعهم حرموا من حقوقهم المكفولة حسب السياسة الوطنية لمعالجة النزوح والمبادئ التوجيهية للنزوح. وإن الحملات الإعلامية والتحريض تستهدف في الأساس العائدين في المحافظات الجنوبية، وستؤدي إلى حرمان تلك المحافظات من كثير من المشاريع التنموية. لا وجود لأي توطين، والسلطات المحلية واللجان المجتمعية تعمل معنا ويعرفون ذلك جيداً.

س: تنفيذ الحلول الدائمة يتطلب العمل مع المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، كيف هي علاقتكم مع هذه المنظمات؟ وهل المنظمات تتفق مع رؤيتكم للحلول الدائمة؟

علاقتنا بالمنظمات الدولية جيدة وقائمة على التعاون والتشارك، ولدينا تنسيق وشراكة في مشروع تجريبي خاص بالحلول الدائمة. رؤيتنا تنسجم وتتواءم مع خطة عمل الأمين العام للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية معنية بالالتزام بخطته، وأتوقع أنها ستلتزم بها، وهناك فهم مشترك بيننا وبين المنظمات حول الرؤية للحلول الدائمة.

س: أنت تتحدث عن علاقة ممتازة بينكم والمنظمات، وأنكم تتفقون معها حول الرؤية للحلول الدائمة، لكن هناك من يقول إن بعض المنظمات الدولية لا تريد حلولاً دائمة وتسعى لتعطيله. كذلك هناك من يتحدث أن الحملة الإعلامية الأخيرة ضد النازحين في عدن أتت بفعل بعض الزيارات التي قامت بها بعض المنظمات لبعض الجهات وتحدثوا عن ملف النزوح. ما رأيكم في مثل هذا الطرح؟

نعم، علاقتنا ممتازة بالمنظمات وشركاء العمل الإنساني. وإن حدث اختلاف في وجهات النظر، فلا يعني أن العلاقات سيئة، بل هي طبيعة أي عمل.

أما قولك إن هناك من يتحدث أن بعض المنظمات لا تريد حلولاً دائمة وتسعى لتعطيله، فأقول لك علينا أن نفرق بين توجهات المنظمات كمؤسسات عريقة لديها آليات عمل واضحة، وبين أي تصرفات أو حديث يصدر من بعض العاملين في تلك المنظمات أو بعضها. فالمنظمات، أقول وبكل صراحة، لديها توجه واضح نحو حلول دائمة، وإن كانت تعاني من بعض الصعوبات في قيادة وإدارة هذا التحول داخل هياكلها وبنيتها، وهذا أمر طبيعي. لكنها تريد حلولاً دائمة وستعمل وفق خطة الأمين العام.

أما ما قد يصدر من تصرفات أو أعمال من قبل بعض العاملين فيها، فهذا أمر آخر، ولا نستطيع القول إنه موقف محسوب على المنظمة، وإن كان يُفسر بهذه الطريقة. الحملات التحريضية حدثت كما أشرت، ولا أعلم بأي تحركات أو زيارات لمنظمات في السياق الذي تود قوله. ما أنا مقتنع به هو أن أي تحرك أو زيارات تأتي في إطار المهام المعتادة والتحركات القانونية، والمنظمات لديها أنظمة صارمة وواضحة، ولا داعي لإثارة مثل هذه التساؤلات.

نقلاً عن عدن الغد